من عمل لآخرته كفل الله تعالى دنياه
صحبة الصبح عجيبة جدا ألقاها حضرة الشيخ هشام القباني في فانتون ميشيغان
بعد صلاة الفجر في رمضان 1431 الموافق 19 آب 2010
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم. نويت الأربعين، نويت الإعتكاف، نويت الخلوة، نويت الرياضة، نويت العزلة، نويت السلوك لله تعالى في هذا المسجد.
أولياء الله – أعاد الله تعالى علينا من بركاتهم وفيوضاتهم دائما – هم دائما حرصون على أتباعهم. كما قلنا البارحة الله تعالى يحب عبده وهدف العبد الحضور عند الله. والأولياء يجاهدون لإحضارهم عنده تعالى. والأولياء لم يصلوا إلا بالانكسار. مهما دسيت على الأرض مهما حفرتها أو ألقيت عليها من الأثقال أو الأقذار لا تعترض. الولي كالأرض لا يعترض، لأنه يريد نفع من يرشده.
ولم يصلوا إلا بالتواضع والخمول. لا يظهرون شيئا من أنفسهم – أقصد في الطريقة النقشبندية. الشيخ دائما يتواضع ويقرب أتباعه على أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان يجالس ويؤاكل أصحابه. هيّن ليّن، ليس كبروتوكول الوزراء! نهاب حتى حاجبهم. والوزير يهاب الرئيس دائما يقول نعم سيدي. أما أولياء الله يظهرون الأخلاق السهلة ليجذبوا الأتباع.
من علا سيدنا موسى عليه السلام في عصره؟ لا أحد. لكن لما أمره الله تعالى أن يزور الخضر عليه السلام تواضع. ذهب إليه ولم يقل له: تعال إليّ. ولم يسمّ نفسه رسولا من أولي العزم. بل قال له: هل أتّبعك؟ من التابع والمتبوع؟ سيدنا موسى هو المتبوع حقيقة وعلى الخضر الاتباع. لكن تواضع وأظهر الأدب والالتزام. فعلى المريدين الالتزام بالأدب: هل أتبعك؟
ما معنى الاتّباع؟ ليس كما يزعم السلفيون بقولهم لا اتباع أنت حر. لا. انظروا إلى سيدنا موسى يتّبع بل يستأذن أن يتّبع! أجاب: لا أدري، لعلك لم تستطع. لكن لازم الأدب. فعلينا باتباع سلفنا الصالح وتقليدهم. هذا أيضا يرفضونه. والله يأبى إلا تقليدا واتّباع الأنبياء من أممهم. كذلك الناس يرون الأتقياء ويلتزمون تقليدهم. هذه خلاصة الاتّباع ونحن مأمورون به في القرآن الكريم.
عليك باتّباع الشيخ هل بايعته؟ نعم، فما بقي عليك إلا الاتّباع. مثلا: لما أمر سيدنا عبيد الله أحرار مريده: إذهب إلى الجبل وانتظرني هناك. فذهب ومكث نهارا كاملا. لم يأت الشيخ. ثم غربت الشمس. والمريد ذكي فلازم الانتظار أياما. أسبوعا. شهرا. ولم يتحرك وهو ينتظر. سنة كاملة لم يحدّث نفسه أن ربما شيخه نسيه أو يجب أن يعود إلى بيته. تريد اتّباعي إذن لا تعارضني! إذا اعترضت بطل الاتّباع.
الخطوة الأولى في الطريقة الاتّباع والتقليد. وهذا الذي يأمر العلماء اليوم بتركه! خلافا لمنهج أهل السنة والجماعة. ثم أتى الشيخ بعد سنة وزجره: لماذا لم تأتني بعد؟ قال لم أكن لأعصيك أردت أن يأذن لك الرسول صلى الله عليه وسلم حتى تأتيني وتجدني.
كما قال سيدنا علي كرم الله وجهه: الحقيقة في ثلاث، من لم يكن عنده سنة الله ورسوله والأولياء فليس في يده شيء. والحديث مشهور: أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ وَعَلِيٌّ بَابُهَا. [رواه الترمذي والطبراني في الكبير والبغوي في المصابيح والحاكم. وحسّنه من الحفّاظ: السخاوي وشيخه ابن حجر والعلائي والزركشي في التذكرة والزرقاني في مختصر المقاصد والشوكاني في الفوائد وغيرهم.] فعلينا السمع والطاعة له.
فقالوا يا أمير المؤمنين ماذا نفعل؟ قال: كتمان السر. أي لازم ما بلغك من كرامة من الله لا تظهره، اكتمه. لا تقول: أكلم الجن وأفعل كذا وكذا أو تتبختر. بل اجعل نفسك لا شيء. ثم لا تفضح عيوب إخوانك. ولا تُشيع الرؤيا التي تراها في المنام. إن أراد الله الإفشاء لأظهرها للناس أجمعين! بل كلّم شيخك فيها. أما الآن فيفشونها على الإنترنات، هذا إن كانت رؤيا صالحة. واكتم الخير الذي فعلته لا تفتخر به.
ثم سألوه عن سنّة الرسول صلى الله عليه وسلم. هذا ما ينبغي أن يعلمه العلماء وأهل السياسة. عليكم بالمصادر الإسلامية وما قاله الأولياء السلف حتى لا يتطرّف الناس في فهمهم. قال: المداراة للناس آآآه هذا مهم جدا. يا أهل السياسة هذا ما قاله سيدنا عليٌّ وهو مهم جدا لأنه يأخذه من قلب الرسول صلى الله عليه وسلم. لم يقل: تفجير الناس وقتل المسلم المسلم! بل المداراة، accommodating people أي تتحملهم حتى يرضوا. وقال (الناس) لم يقل (المسلمين). وهذا أساس الإسلام قاله النبي صلى الله عليه وسلم ولكن من لا قلب له لا يفهم.
قيل: وما سنة الأولياء؟ قال: تحمّل الأذى. وهذا أصعب شيء. وما أذاهم؟ ليس فقط التفوّه على الشيخ أو إنكار وجود الأولياء – والإسلام طافح بالأولياء فلا ينكر وجودهم إلا جاهل – بل أيضا أن يتحمل الولي ذنوب ومعاصي أتباعه ويزكّيهم ويهب لهم حسناته لمنفعتهم. لما استأذن سيدنا موسى الخضر أجابه نعم لكن عليك بالصبر لأني لا أُفشي أسراري. ثم خرق السفينة وتحمّل الأذى الذي سيواجهه لفعلته.
فعلينا بتحمّل الأذى ونصبر ولا ندافعه عن أنفسنا فتحصل تفرقة. كما قال مولانا: أنت تدمّر حشمة الناس بإظهارك الفضائح على الإنترنات. أمسك! يرضى عنك الله تعالى ويشفع لك الرسول صلى الله عليه وسلم ويتّخذك الأولياء تابعا لهم.
من عمل لآخرته كفل الله تعالى دنياه. يأتيه المدد من كل الجهات. لكن لا نعمل الكفاية للآخرة لذا نتعب لمعاشنا. رأيب بعيني كيف مولانا الشيخ ناظم ومولانا الشيخ عبدالله قدست أسرارهم لم يعملوا إلا للآخرة، فجعل الله تعالى الناس في خدمتهم ولم تنقص ديارهم من شيء أبدا. مهما حضر من الضيوف في أي وقت، الطعام موجود والخدم كذلك يرسلهم الله.
مولانا الشيخ عبد الله قدس سره قال عبد الله أفندي من اتبعك لن يفقر قط ولا يرى شرا لا في الدنيا ولا في الآخرة قاله لمولانا الشيخ ناظم. من عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه. ومن أحسن سريرته أحسن الله تعالى علانيته. أي من زكّى سرّه يجعل الله تعالى مظهره حسنا وفي صدر جميع المجالس. لأجل النور الذي جعله الله تعالى في جبينه. كأنهم مغنطيس للناس، هبة من الله. لأنهم أحسنوا سريرتهم. لن تنجح بتحسين مظهرك دون هذه الطريقة. وسيلة النور السماوي فيك أبلغ. ((لم يسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن)) [روى نحوه الإمام أحمد في كتاب الزهد عن وهب بن منبه عن بعض أنبياء بني إسرائيل].
الناس مجذوبون إلى بيت الله. لماذا؟ لأن هناك تجلّيات على الكعبة المشرفة لا يراها إلا الأنبياء والأولياء. فقلب المؤمن كذلك. ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس. لكن ناضلْ وجاهد حتى تصلح ما بينك وبين الله. فهذا الخط العريض والنقط الأساسية في الطريقة. لذا أصبح الأولياء أصحاب المعرفة والعرفان. يعرفون لأن الله تعالى وهب لهم المعرفة بعدما أصلحوا شأنهم مع الله. غفر الله لنا. نتابع غدا إن شاء الله في موضوع ماهية الطريقة النقشبندية. بحرمة الحبيب بحرمة الفاتحة.
No comments:
Post a Comment